اعتبره المتعصبون مفكرا زنديقا وحرموا قراءة كتبه يوم كانت فرنسا دولة أصولية
الشيء المدهش في هذا الكتاب «ديكارت، فارس فرنسي»،مؤلف هذا الكتاب هو المؤرخ والفيلسوف الفرنسي جان مارك فارو، عضو أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية في باريس، كما أنه محام كبير ومتخصص بالقضايا الكبرى. وهو يقدم هنا صورة عامة وتفصيلية عن حياة واحد من أكبر الفلاسفة على مر العصور.هذا المؤلف يقدم لنا صورة غير معهودة عن فيلسوف الفرنسيين الأول. ونفهم منه أنه كان مغامرا في مجال الحياة مثلما كان مغامرا في مجال الفكر. وفي كلتا الحالتين، كان شجاعا مقداما ويستحق كلمة هيغل. ومعلوم أنه حمل السيف وخاض الحروب قبل أن يتفرغ للفكر والفلسفة. وعندما كان يعبر البحر في إحدى المرات حاول أحد ركاب السفينة ابتزازه لكي يأخذ فلوسه بعد أن رأى من شكله أنه شخصية مرموقة وغنية. فما كان من ديكارت إلا أن امتشق حسامه ودعاه للمبارزة فتراجع اللص واندحر.
ولكن الشيء الأخطر في الكتاب هو أن المؤلف يزعم أن ديكارت لم يمت من نزلة بردية، كما تقول الرواية الرسمية المكرسة عبر القرون، وإنما مات مقتولا. والواقع أن هذه الفرضية كان قد أكدها أستاذ جامعي ألماني اسمه: تيودور إيبيرت في كتاب أحدث ضجة مؤخرا بعنوان «الموت السري الغامض لرينيه ديكارت». لم يترجم بعد إلى الفرنسية. وملخص فرضيته هو أن الكاهن الكاثوليكي الفرنسي فرانسوا فيوكيه هو الذي قتل ديكارت بأمر من الفاتيكان أو على الأرجح من دون أمر. لماذا؟ لأنه كان يرى في فلسفته حجر عثرة أمام اعتناق ملكة السويد كريستين المذهب الكاثوليكي الروماني. ومعلوم أنها كانت بروتستانتية لوثرية: أي تنتمي إلى المذهب المعادي. وقد خشي هذا الكاهن عليها من تأثير ديكارت وأفكاره الهدامة للدين أو المضادة للعقيدة الكاثوليكية. وكانت أوروبا غارقة آنذاك في الحروب المذهبية. لقد قدم هذا الكاهن القربان المقدس لديكارت بعد أن دس فيه السم! والدليل على صحة الرواية كما يقول المؤلف هو أن ديكارت قبيل موته كان يعاني دوخة كبيرة في الرأس، بالإضافة إلى وجع رهيب في المعدة وقيء متواصل ودم في البول. وكلها أعراض خاصة بالتسمم لا بمرض الالتهاب الرئوي الناتج عن برد استوكهولم القارس كما يزعمون. والدليل على صحة الفرضية هو أن كريستين تخلت بالفعل عن مذهبها وتنازلت عن العرش واعتنقت المذهب الكاثوليكي البابوي بعد موت ديكارت بأربع سنوات فقط.
وأخيرا، لا ينبغي أن نستهين بهذه الرواية كثيرا، فالواقع أن معظم الشخصيات الكبرى في التاريخ تعرضت للاغتيال بشكل أو بآخر. فالعباقرة يعتبرون شذوذا على التاريخ أو غلطة من غلطات الزمن، ولذلك تتألب عليهم الظروف بشكل أو بآخر لتصفيتهم. وذلك لأن مجرد وجودهم على سطح الأرض يعتبر استفزازا ما بعده استفزاز بالنسبة إلى عامة البشر. إنهم يسبقون زمنهم أو أكبر من قرنهم وعصرهم. عزاؤنا الوحيد هو أنهم لم يستطيعوا الوصول إليه أو الإطاحة به إلا بعد أن كان قد كتب مؤلفاته الأساسية وضرب ضربته الفلسفية الكبرى.